إنّها الكويت

بقلم كابتن / موسى بهبهاني



(العفو عند المقدرة... أخلاق الإسلام وشِيم الكِرام)
أي العفو عن المسيء في حال القدرة على معاقبته، فإذا كانت العقوبة هي جوهر العدل يكون العفو قمة الفضل.
وتلك هي صفة الأقوياء الذين يتملكون مشاعرهم ويضبطون أنفسهم في المواقف الصعبة التي تستوجب التحلي بالصبر والحكمة والتسامح، لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب
والعفو عند المقدرة ليس قاصراً على الأعداء فقط بل يشمل العفو عن زلات المسيئين من الأقارب أو الأباعد، بل في شتى الأماكن (المنزل -العمل -والمجتمع -...)
وتفتخر الكويت بسيرة حكامها وشعبها في الحكمة والتسامح منذ تأسيس الدولة، وآخرها بادرة سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، حفظه الله، بالعفو عن أبنائه المحكومين، وذلك ديدن القيادة السياسية في وطننا الغالي ليتم لم شمل الأسرة الكويتية ولاستمرار أجواء الاستقرار والوفاق والتعاضد
وإن هذا الخلق الكريم قد حث عليه المولى عز وجل:
{ وَإنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
فالعفو عند المقدرة من مبادئ الأخلاق الكريمة التي يدعو إليها الإسلام، بل هو أعظمها شأناً لأن العفو من شيم الرجال الكرام
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }
فإن العفو وإسقاط العقوبة ليس تنازلاً من ضعف أو خوف وقلة حيلة، بل هو صادر عن قوة إرادة وعزيمة صادقة في الانتصار على النفس والذات بكل إيجابية، بعيداً عن السلبيات وما يصاحبها من الغضب والقسوة والعدوانية ضد الغير
فالعفو هو التماس العذر للمخطئ ، وإعانته على تصحيح المسار والنهوض به من كبوته لما فيه خير له ولمجتمعه وأمته.
ورد عن الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام :
{إذَا قَدَرَتْ عَلَى عَدُوِّك فَاجْعَلْ الْعَفْوَ عَنْهُ شكراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ}
ولذلك فإن التسامح ليس ضعفاً ولا انكساراً ولا هزيمة، بل هو قوة ومروءة لا يعرفها إلّا المتسامحون
وكذلك من شملته المكرمة الأميرية بالعفو عنه يجب عليه ألا يعود إلى فعلته السابقة التي أُدين وحكم بسببها، بل يكون حريصاً على أمن المجتمع ولا يقوم بالهمز واللمز بتغريدات فيها الكثير من الفتن وبث بذور الشقاق والدعوة إلى نشر الفوضى بين أفراد المجتمع الواحد، ولذلك يجب على الجهات الأمنية مراقبة ومتابعة كل من ينشر تلك التغريدات المسيئة ، فالعفو لا يعني إسقاط الإدانة عن المحكوم بل هي مكرمة من الحاكم وفق شروط معينة منها الابتعاد عن كل ما يثير الفتن والعداء في المجتمع.
العفو يعني بأن الإدانة تظل باقية ولكن يتم إعفاء المدان من تنفيذ مدة المحكومية.
ملاحظة:
إذا صدر بحق المحكومين مرسوم أميري بالعفو عنهم في العقوبة المقضي بها من المحاكم فذلك من أعمال السيادة لا يملك أي شخص المساس به أو التعقيب عليه.
تسامحُ النفس معنى من مروءتها
بل المروءةُ في أسمى معانيها
تخلق الصفحَ تسعدْ في الحياةِ به
فالنفسُ يسعدُها خلقٌ ويشقيها
(القضاء ركيزة الأمان)
-هناك قصة أصبحت رمزاً لاستقرار الدول بعد الحرب العالمية الأولى عندما دخل باريس رمز فرنسا (شارل ديغول) بعد تحرير بلاده من الغزو الألماني... سأل عن أحوال البلاد ومؤسساتها فأخبروه أنها بأسوأ حال... فسأل سؤاله الشهير هل القضاء بخير؟ فقالوا له نعم... فقال قولته المشهورة (إذا كان القضاء بخير ففرنسا بخير... فهو الدعامة الأساسية للنهوض بالدولة)
قبل سنوات مضت اتهم بعض القضاة بتهم فساد ورشوة، فلم يقم القضاء بالتستر على هذا الأمر ولملمته في أروقة المجلس الأعلى للقضاء، بل قام بالإعلان عنه، بأن هناك عدداً من القضاة، بعد التحقيق والتأكد بأن هناك شبهة فساد تمس ذممهم، تم تحويلهم إلى النيابة العامة ومن ثم إلى درجات التقاضي الثلاث وصدرت الأحكام النهائية بالإدانة والحبس والعزل عن الوظيفة.
وقبل أيام مضت أُسدل الستار على قضية كبرى شغلت الرأي العام وهي (صندوق الجيش)، وقد طالت هذه القضية أعلى وظيفة قيادية (رئيس مجلس وزراء - وزير دفاع) المنتمين إلى الأسرة الحاكمة، وقد صدرت فيها الأحكام النهائية بالإدانة والحبس ورد المبالغ المالية المختلسة.
فكل التحية لرجال السلك القضائي الذين يؤدون دورهم المهم المنوط بهم لإحقاق الحق مهما كان مركز وعائلة المدان ، كونهم لا يخافون لومة لائم في إصدار الأحكام الصارمة ضد كل من يتجرأ بالتعدي على المال العام
نتأمل :
بأن تقوم الجهات الرقابية المتعددة بالدولة بالعمل الجاد ومتابعة ومراقبة كل الأعمال في الوطن وتحويل كل مسؤول بالدولة مهما كان مركزه (وزير - وكيل - مدير - مراقب ... ) ممن يتقاعس عن أداء عمله، وكذلك محاسبة المقاولين عندما ينتهجون مبدأ الغش في المواصفات واستخدام مواد رديئة الصنع أو منخفضة الجودة ، ما يسبب تهديداً مباشراً للمواطنين بسبب عدم سلامة العمل المنجز خصوصاً في المناقصات الحكومية ، فعندما يكون العمل سيئاً على سبيل المثال ( الطرقات - المشاريع بشتى أنواعها ... ) فإن هذا يعتبر هدراً للمال العام وكذلك خطراً مباشراً على أرواح مرتادي الطرقات
وبالتالي تحويلهم إلى النيابة العامة ومن ثم إلى القضاء ليكونوا عِبرةً لمن يتجرأ على التعدي على المال العام ولمن يعرض حياة الإنسان للخطر
ختاماً ،
القضاء مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتق رجال السلك القضائي والذين يجب أن يقدرهم جميع أفراد المجتمع فهم أهم ركيزة في استقرار الوطن.
والكويت لديها اليوم سلطة قضائية نفتخر بها ودرجات ثلاث للتقاضي تتيح أعلى درجات العدالة الممكنة لمن يعيش على أرضها...
إنها الكويت بيتاً ومأوى ونسباً، فكل أبناء الشعب من المواطنين والمواطنات يحملون في قلوبهم حباً كبيراً لها، والكويت تتصف مسيرتها منذ نشأتها والى الآن بالعز والفخر
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة ، والحمد لله ربّ العالمين


هل أعجبك؟


شاركنا تقييمك


أضف تعليقك

أخبار
كتب

جميع الحقوق محفوظة

2024 © دار الحكمة